الشخصيـة



    إن القوة الحقيقية ليست قوة الشخصية أو قوة البدن كما يتبادر إلي ذهن الكثير من الناس عندما يسمع كلمة القوة ، وإنما القوة بمعناها الشامل تنطوي على عدة أنواع أظهرها وليس أقواها قوة البدن ، ومن ثم فالقوة الحقيقية فعلاً هي قوة التحمل لا القوة في الخلق السيئ , أو قوة اتخاذ القرار وعدم التردد ، أو قوة إصدار الأوامر .. ومن أنواع القوة أيضا القوة النفسية ، والقوة الإيمانية.
    ويرى البعض أن المحور الأساسي لنجاحه هو القوة في الشخصية , والهدف الرئيسي الذي يسعى إلى تحققه , فيصبح هاجس الخوف من الفشل وضياع الشخصية أمام الآخرين هو ديدنه الوحيد , مما يجلب له القلق والتوتر في أعصابه , ويشغل تفكيره ويضيع جهده , ويجعله في مزيداً من التعقيد والإحباط.
    فتجد صاحب الشخصية كأنه عبارة عن آلة الكترونية في حديثه وتصرفه , وقوله وفعله , كأنه في حرب مع غيره , داخلاً في حواجز يفتعلها من نفسه وتفكيره.
    والعيب ليس في الخارج والشخصية , بل في الداخل والعقل , فإذا كان مؤمناً قوياً , على الصراط المستقيم , واثقاً من نفسه على الحق المبين , أخلاقه حسنة همته عالية , مطلبه سامي , نفسه أبية عزيزة قنوعة عفيفة , حليماً كريماً , كان إنساناً متميزاً بشخصه وعقله وفعله , فلا يحتاج إلى افتعال العصبية وقوة الشخصية والتقليد الأعمى , ليصبح ناجحاً عزيزاً قوياً سعيداً.
    ولا نلغي قوة الشخصية والحزم والثبات , لكن نلغي أن تكون هي هدفاً بحد ذاتها , فتجلب الهمّ والغمّ والضيق والتعب , فتصبح عبأً لا نفعاً , بل كن قوياً ؛ لكن بالمفهوم الصحيح ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يمسك نفه عند الغضب ).
    وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يصطرعون ، فقال : ماهذا ؟ قالوا : فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ، رجلٌ ظلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه 
لقد أسمع القول الذي كاد وكلما       تذكِّرنيه النفس قلبي يصــدع
فأبدي لمن أبداه  مني بشاشــة       كأني  مسرور بما منه أسمـــع
وما ذاك عن عجز به غير أننـي        أرى أن ترك الشر للشر أقطـع
    دخل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله المسجد ليلة في الظلمة , فمر برجل نائم فعثر به , فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت ؟
    فقال عمر: لا , فهمَّ الحرس به
    فقال عمر: مه ! إنما سألني أمجنون ؟ فقلت: لا.
    فكن شخصاً بطبيعتك , كن نفسك التي خلقها الله تعالى , كن أنت , وابتعد عن التكلف المزعج , والتوقع المربك , واختلاق الأفعال والأقوال الضارة بالصحة
والعقل والجسم والفكر , عش كما أنت مطمئن البال , مستقر السريرة , معتدل المزاج , بعيداً عن الذل والحمق , والهوان والغفلة.
    كن مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم , وصحابته رضوان الله عليهم ,  وهذا هو عمر بن الخطاب يرسم لنا أجمل صورة في قوة الشخصية التي يبحث عنها كثير من البشر. كان رضي الله عنه يستشير الفتيان يبتغي حدة عقولهم , وكان رضي الله عنه يستشير النساء فربما أبصر القول يعجبه, وكان رحيماً متواضعاً عادلاً حكيماً قوياً في الحق.
    بينما كان يعيش بالمدينة إذا بخيمة يصدر منها أنين امرأة ، فلما اقترب رأى رجلا قاعدًا فاقترب منه وسلم عليه ، وسأله عن خبره ، فعلم أنه جاء من البادية ، وأن امرأته جاءها المخاض وليس عندها أحد ، فانطلق عمر إلى بيته فقال لامرأته "أم كلثوم" ـ هل لك في أجر ساقه الله إليك ؟ فقالت: وما هو ؟ قال: امرأة غريبة تمخض وليس عندها أحد ـ قالت نعم إن شئت فانطلقت معه ، وحملت إليها ما تحتاجه من سمن وحبوب وطعام ، فدخلت على المرأة ، وراح عمر يوقد النار حتى انبعث الدخان من لحيته ، والرجل ينظر إليه متعجبًا وهو لا يعرفه ، فلما ولدت المرأة نادت أم كلثوم "عمر" يا أمير المؤمنين ، بشر صاحبك بغلام ، فلما سمع الرجل أخذ يتراجع وقد أخذته الهيبة والدهشة ، فسكن عمر من روعه وحمل الطعام إلى زوجته لتطعم امرأة الرجل، ثم قام ووضع شيئًا من الطعام بين يدي الرجل وهو يقول له: كل ويحك فإنك قد سهرت الليل

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Grants For Single Moms | تعريب وتطوير : باســـم .