في الرياضــة



    يقول السعدي رحمه الله: وهي التمرُّن والتمرين على الأمور التي تنفع في العاجل والآجل , والتدريب على سُلوك الوسائل النافعة التي تُدرك بها المقاصد الجليلة. وهي ثلاث أقسام:
    رياضة الأبدان , ورياضة الأخلاق , ورياضة الأذهان , ووجه الحصر , أن كمال الإنسان المقصود منه: تقوية بدَنه لمزاولة الأعمال المتنوّعة , وتكميل أخلاقه فيحيا حياة طيبة مع الله , ومع خَلقه , وتحصيل العلوم النافعة , وبذلك تتم أمور العبد , والنقص إنما يكون بفقد واحد من هذه الثلاثة , أو اثنين , أو كلها.
    أما الرياضة البدنية: فبتقوية البدن بالحركات المتنوعة , وبالمشي والركوب , وأصناف الحركات المتنوعة , ولكل قوم عادة لا مشاحة في الاصطلاحات فيها إذا لم يكن فيها محذور.
    وإذا تدبرت العوائد الشرعية في الحركات البدنية , عرفت أنها مُغنية عن غيرها , فحركات الطهارة والصلاة والمشي إلى العبادات ومُباشرتها , وخصوصاً إذا انضاف إلى ذلك تلذذ العبد بها , وحركات الحج والعُمرة والجهاد المتنوعة وحركات العلم والتعليم والتمرين على الكلام والنظر والكتابة وأصناف الصناعات والحِرف. ويختلف نفع الرياضة البدنية باختلاف الأبدان قوة وضعفاً ونشاطاً وكسلاً , ومتى تمرن على الرياضة البدنية قوِيَت أعضاؤه واشتدت أعصابه وخفّت حركاته وزاد نشاطه , واستحدثت قوّة إلى قوّته يستعين بها على الأعمال

 النافعة لأن الرياضة البدنية من باب الوسائل التي تُقصد لغيرها لا لنفسها.
    وأيضاً إذا قويت الأبدان وحركاتها , ازداد العقل , وقوي الذهن , وقلّت الأمراض أو خفّت , وأغنت الرياضة عن كثير من الأدوية التي يحتاجها أو يضطر لها من لا رياضة ..
    وأما رياضة الأخلاق , فإنها عظيمة صعبة على النفوس , ولكنها يسيرة على من يسرها الله عليه , ونفعها عظيم , وفوائدها لا تنحصر. وذلك أن كمال العبد بالتخلق بالأخلاق الجميلة مع الله , ومع خَلقه , لينال محبة الله , ومحبة الخلق , ولينال الطمأنينة , والسكينة والحياة الطيبة . وشُعبها كثيرة جداً.
    وأما رياضة الأذهان فهو: الاشتغال بالعلوم النافعة , وكثرة التفكر فيها , والابتداء فيما يسهُل على العبد منها ؛ ثم يتدرج به إلى ما فوقه , وتعويد الذهن السُّكون , إلى صحيح العلوم وصادقها , وذوده عن فاسدها وكاذبها , وما لا نفع فيه منها . فإن تعود السُّكون إلى الصدق الصحيح , والنفور من ضده , فقد سلك بفكره وذهنه المسلك النافع.
    فمن عود نفسه ودرّبها على كثرة التفكر في هذه الأمور وما يتبعها , فلا بدّ أن تترقّى أفكاره , وتتسع دائرة عقلة , وينشحذ ذهنه. ومن ترك التفكّر , حمدت قريحته , وكلَّ ذهنه , واستولت عليه الأفكار التي لا تسمن ولا تغني من جوع , بل ضررها أكثر من نفعها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Grants For Single Moms | تعريب وتطوير : باســـم .