النهايــة



    من المصائب العظام التي تهز النفوس , وتحزن القلوب , وتدمع العيون , مصيبة الموت , وفقد الأصحاب والأحباب والأولاد , وهي مصير الأولين , وطريق الآخرين.
    قال بعض الحكماء:" قد مات كل نبي , ومات كل نبيه , ولبيب , وفقيه , وعالم , فلا تجزع , ولا يوحشنَّك طريق الخلائــق فيها ".
    قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) آل عمران-185
    ولو تفكر المصاب بهذه المصيب , أنه لم يقبض الروح إلاّ أرحم الراحمين , وأكرم الأكرمين , اللطيف الخبير , العليم الحكيم , ليوفينا أجورنا يوم القيامة.
    قال تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك-2, فترضى نفسه ويطمئن قلبه وتسلو نفسه.
    وأيضاً فهو مستريح من الدنيا , أو مستراح منه , مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة. فقال "مستريح ومستراح منه". قالوا: يا رسول الله ! ما المستريح والمستراح منه فقال: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا. والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب".
    ثم إن موته خيراً له من بقاءه لحكمة يعلمها الله تعالى , فربما لو بقي ضل أو فُتن , أو تعذب أو فسق , أو قد يحصل ما يخرب عليه دينه وآخرته.
    وهذا الشخص لم ينعدم حيث لا وجود له , بل إنه انتقل إلى الحياة الأخرى

في الدار الآخرة , دار الحساب والجزاء , ثم الالتقاء في جنات عدن على سرر متقابلة بإذن الله تعالى , قال عزوجلّ: ( إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ) الحجر-47
    يقول محمد بن النضر رحمه الله:" أما والله ما أبالي : أمت أم رميت في البحر إنما أنقلب من سلطانه إلى سلطانة ".
    فلا يُضاع الوقت بالبكاء والصراخ والعويل , بل بالتقرب إلى الله تعالى , والدعاء والاستغفار , والصدقة والصيام , وغيره من الأعمال , والصبر والاحتساب فهو خير إرشاد , فتكسب أجراً وتجلب أُنساً وتشرح صدراً , وإن كان القلب يتألم والنفس تحزن لكن من غير جزع وكفر وسخط.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما مات ابنه إبراهيم عليه السلام: ( تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلاّ ما يرضي الرب ).
    يقول أحدهم:" وليعلم أنها شدة وتزول , فليصبر عليها , وليتجلد لها , فإن الأيام كفيلة بمحو الأحزان , وطي الآلام , نسأل الله اللطف بنا أجمعين ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم ".
    قال أبو الفرج رحمه الله:" لا ينبغي للمؤمن أن ينزعج من مرض أو نزول موت , وإن كان الطبع لا يملك , إلاّ أنه ينبغي له التصبر مهما أمكن الرضا بالقضاء , وما هي إلاّ لحظات ثم تنقضي ".
    قال الشافعي رحمه الله:  
تمنَّى رجال أن أموت و إن أمــت        فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحــد
وما موت من قد مات قبلي بضائري       ولا عيش من قد عاش بعدي بمخلد

لعلَّ الذي يرجو فنائي ويـــرَّعِي       به قبل موتي أن يكون هو الـرَّدي
منيته تجري لـوقتٍ , وقصـــره      ملاقاتُها يوماً على غير موعـــدِ
    فليتفكر الإنسان أنه سائر أيضاً في هذا الطريق , وداخل هذا الباب , فيعمل لنفسه , ويحتاط لأمره , ويتنبه لأجله , فلا يأتيه على غفلة منه وتقصير.
    كم ضاحكٍ والمنايا فوق هامته      لو كان يعلم غيباً مات من كمـدِ
   قال تعالى: ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) سورة العنكبوت-64

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Grants For Single Moms | تعريب وتطوير : باســـم .