إرضـى لكي تُرضـى


    يقول الشافعي رحمه الله:
دع الأيـام تفعل ما تشــاء        وطب نفساً بما حكم القضـاء
ولا تجزع لحادثة الليـــالي          فما لحوادث الدنيا بقـــاء
وكن رجلاً على الأهوال جَلْداً        وشيمتك السماحة والوفــاء
    قال صلى الله عليه وسلم: ( من رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط ) رواه الترمذي .
    ولماذا لا يرضى العبد ويقنع , ويسلم أمره إلى الله خالقه ورازقه ويطمئن , ومن ثم يفرح ويسعد , وما في القضاء كله إلاّ خيراً له , فلا يتسرع الأمور , ولا يستبق الأحداث فيقنط ويتسخط , بل يتمهل ويتصبر , فالخير موجود لكنه يأتي في الغالب معقباً.
    يقول ابن الجوزي رحمه الله:" ينبغي لمن آمن بالله تعالى , أن يسلم له في أفعاله , ويعلم أنه حكيم ومالك وأنه لا يعبث , فإن خفيت عليه حكمة فعلَّه نسب الجهل إلى نفسه , وسلَّم للحكيم المالك , فإذا طالبه العقل بحكمة الفعل قال: ما بانت لي فيجب علي تسليم الأمر لمالكه ".
    وليعلم أنه متى ما رضي وقنع , وألزم نفسه على ذلك , انساقت له الأمور وتيسرت وانسابت , وبقي في عيش رغيد وفرح مديد , فهو إن كان في ابتلاء وضيق , ينتظر الفرج وهو في عبادة وتمحيص وأجر وغفران , قال صلى الله عليه وسلم: ( أفضل العبادة انتظار الفرج ) رواه الترمذي .

    وإن كان في نعمة فالفرح والسرور ولا ينسى الشكر وترك الفجور, فالله تعالى أرحم الراحمين لم يرسل البلاء ليهلك صاحبه ويعذبه , وإنما ليمتحن صبره وإيمانه ورضاه , ويسمع ابتهاله وتضرعه ودعاءه , ويرى انكساره بين يديه سبحانه , ويذيقه الألم ليعرف بها طعم النعم.
        فمن رضي بقضاء الله تعالى أرضاه الله عزوجلّ , وبدل حزنه سروراً وخوفه أمناً وذله عزاً وضيقه فرجاً , ومن لم يرضى فله الهم والنكد والأحزان والآلام والتعب والنصب.
    وليرضى الإنسان لعلمه القطعي أن الله أرحم به من نفسه , وأعلم بمصالحه وأحواله جمعاء من الخلق كافة.
يا سميع الدعاء كن عند ظنِّي          واكفني من كفيته الشرَّ منـي
وأعني على رضاك و خيْر لي          في أموري وعافني و أعف عني
    وإذ أبت النفس واستعصت , فليعلم أن السوء فيها والشر منها , فليجاهدها وليصبر عليها , ولا ينساق معها فالنفس أمارة بالسوء , فيها كل العيوب , وما وقع البلاء إلا بسيئات أعماله , وقبيح أفعاله , فليعد إلى الله وليستغفر ويتوب وليلزم الباب ولينطرح بين يدي الله تعالى , ليكشف الله عنه ما ألم به.
    قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ) التوبة-59
    وليعلم أنها دار بلاء ونكد و مرارة , فكيف يريد المسرة الدائمة ! والعيشة الكاملة ! والفرحة الغامرة  ؟؟
طبعت على كدر وأنت تريدها      صفواً من الأقذاء والأكــدار
و مُكَلِّف الأيام ضدَّ طبعهــا      متطلبٌ في الماء جذوة نـــار
  ذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب لأبي موسى الأشعري : أما بعد فإن الخير كله في الرضا , فإن استطعت أن ترضى وإلاّ فأصبر.
   
كن عن همومك معرضـاً          وكل الأمور إلى القــضا
وانعم بطـول سلامــة         تسليك عما قـد مضــى
فلربما اتسـع المضيــق          ولـربما ضاق الفضـــا
ولرب أمـر مسخــط          لـك في عواقبه الرضــا
الله يفعل مـا يشـــاء         فـلا تكن متعرضــــا

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Grants For Single Moms | تعريب وتطوير : باســـم .